27 حق مشترك

  صرت أكره قراءة تعليقات بعض المقالات التي يضعها أصحابها في المواقع الإلكترونية، كنت أقرأ المقال ويأخذني فضولي المعرفي إلى أن أطلع على التعليقات، وذلك لما تمثله من أراء الناس المختلفة التي تغني المقال أو تملأ الثغرات الفكرية التي يغفل عنها الكاتب أحيانا، أوهي  وجهات نظر أخرى تعارض الطرح بأساليب مقنعة. ولكن في أغلب الأحيان كنت أندم على قراءتي لها، لا لشيء سوى ما أجده يطبع عليها من عبارات تدل على تدني المستوى الأخلاقي واتجاهه نحو الحضيض.
ليس عيبا أن يساهم القراء بآرائهم المخالفة إن كان لهم رأي في الموضوع المطروح، ولكن إبداء الرأي لا يعطي الحق لأحد في أن تكون وجهة نظره معول هدم للرأي الأخر أو إقصائه، فلكل إنسان نظرته الخاصة، ولكل أمر أوجه متعددة، وكل واحد يرى ما يظهر له انطلاقا من قناعته وما توفر لديه من حجج. كما أن أي أمر لا يلبس لباس المطلق- إلا ما جعله الله غير قابل للنقاش - كل شيء نسبي قابل للتغيير والتحول، فإن كان الأمر هكذا فلما التعصب وإظهار الحقد والكره والعداوة للأخر في مساحة قابلة لأن تضم كل الآراء، وربما هذه الآراء إن نزعنا عنها ما اختلفنا عليه نجد أمورا كثيرة نتفق عليها تكوّن قاعدة مشتركة بيننا.
للأسف وجدت أغلب المعلقين في تلك المواقع لا يتقنون إلا الهجوم وفنونه، ومنهم من يزيغ به الكلام لأن يبدأ في قذف صاحب المقال وشخصه مبتعدا بذلك عن الموضوع المطروح أصلا، فقط هو رصف للعبارات واستعراض للكلمات، كأنه في حلبة مصارعة، وكلنا يعلم أنه عندما لا يجد أحد دليلا يطرحه يبدأ في أسلوب الاستفزاز والاحتقار...
إن كان الأمر وجهة نظر فالمفروض أن يكون الرأي منطقيا يحمل أسلوب الإقناع وليس أسلوب الهجوم، الذي يهدم أكثر مما يبني.
مهما اختلفت مع صاحب المقال، لا يجب أن أخرج عن إطار الأدب والتعالي على شخص لا يجمعني به إلا كلام قابل للمناقشة، وقابل للأخذ والرد. كما أن رأيي يحتمل الخطأ، ورأيه يحتمل الصواب.
  إن من ينشد الحق للحق يقتنع إن طرح الأخر حجته، ويعترف بخطئه إن اتضح له الدليل، أما من همه فقط الانتصار لنفسه فهذا لا ينفع معه حجة ولا دليل، ومثله كمثل من قال الله تعالى فيهم: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) النمل 14.

أبو حسام الدين


27 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.

 
Free Web Hosting