3 كرة القدم وسد الذرائع


هناك في فقة الأصول ما يسمى عند الفقهاء بسد الذرائع، وهذا الأصل يُعْمل به أكثر في مذهب مالك... فحين تنبني مفسدة على أمر غير ممنوع في الأصل (هو مباح) فهو يُمنع تفاديا للوقع في الممنوع والمحظور والمفسدة. هذه الوسيلة التي تلعب دور الحيلولة لها قاعدة في القرآن وفي السنة، وليس هذا مكان تفصيلها، لأني ما كتبت مقدمة هذه التدوينة لأشرح باب سد الذرائع، فقد تكلف بذلك علماء الأصول، بل كتبتها لأطرح رأيا في موضوع كرة القدم بناءً على أساس معروف وهو أنها لعبة لا يتفق أحد على أنها غير جيدة ولا مفيدة، بل العكس، فهي تعتبر ممارسة رياضية راقية لو أقيمت في حدود الآداب والاحترام والوعي، وفي وسط توفرت فيه نفس الشروط... غير أن الواقع يعكس لنا صورا مختلفة عن تصورنا وفهمنا لهذه اللعبة التي أغرت الجميع وسكنت وجدان الشعوب بما فيهم الشعب المغربي الهاوي بكل جوارحه سواء ممارسة أو فرجة. بيد أن هذا العشق يتحول في كل مرة إلى كوارث تتجلى في صراعات بين هؤلاء وهؤلاء تحت غطاء ما يسمى بالتشجيع، والوطنية وأسماء أخرى أستغرب منها بعض الأحيان، فيكون الضحية فئة من الناس، والمِلك العام الذي يُخرّب ويُدمّر... مع كونها لعبة فقط، أفيكون اللعب هكذا، فأين الجد إذن؟.
قد يكون رأيي شاذا في المسألة على اعتبار أن منع شيء غير ممنوع في الأصل هو ضرب من التضييق. لكن لننظر إلى المفسدة المقدرة، بل إلى المفسدة الواردة والتي تحققت على أرض الواقع مرارا، فهي لم تعد مقدرة. هذا الرأي في نظري صالح لنا ولمجتمعنا الذي مازلت فيه فئات كثيرة غير واعية بمفهوم التشجيع ومعاني الروح الرياضية التي نسمع عنها فقط ولا نرى لا أثرًا. بل أن التشجيع تجاوز حدودا معقولة، وصار غلوا، خاصة حين يتعلق الأمر بفريق لا يربطه بالمُشجع لا الانتماء العرقي ولا الوطني ولا الديني. وأكيد أن التشجيع هو نوع من الحرية الشخصية التي من حق أي شخص أن يمارسها، لكنها تظل مقرونة بشروط أساسية متعارف عليها. فلم يكن تبادل التهم والضرب ووو.. من الحرية في شيء أبدا، بقدر ما يعتبر تقييدًا للحرية بأغلال التعصب النّاتج عن التقليد والولاء الأعمى.
أن يُمنع أمر اتقاء مفسدة وجلب مصلحة، لا يمكن أن نتحدث عنه في الفقه فحسب فحتى في حياتها العادية وفي ممارساتنا الاجتماعية والسياسية يمكن أن نعمل به. لهذا فليست هذه فتوى حتى لا ينتفض أحد ليقول أنني أفتي بحرمة كرة القدم، (فلست أهلا لذلك، ولا يحق لي)، ولكن في المقابل أقول: إن طرح وجهة النظر من هذه الزاوية لابد أن يكون، لأن أي شيء يجلب مفسدة للناس وللمجتمع ويتسبب في خراب ممتلكاتهم الخاصة والعامة، يجعلنا ننظر إليه نظرة أخرى وإن كان غير ممنوع وذلك لذرع تصرفات فاسدة ومحظورة قانونا ودينا وعرفا. أوَ ليس هذا أمرا حكيما؟ على الأقل حتى نتجاوز مرحلة عدم النضج، ويرتقي المتعصبون إلى مستوى التصور الصحيح للعبة كرة القدم كرياضة تجلب المتعة للمتفرج وليس التعاسة والندم وصداع الرأس.

3 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.

 
Free Web Hosting