لا بأس من ذلك فهو أمر محبذ وجميل ومن الرائع أن يكون هم الإصلاح ديدن الجميع، فالماء الراكد الغير متحرك يفسد ويتغير لونه وطعمه، ولا يجوز لا لشرب ولا لوضوء.
لا غضاضة أن يفكر الجميع في نهج سبل التجديد ونشدان الإصلاح، فالزمن متغير والعصور، والأفكار تتبدل، والاستقرار ليس من طبيعة الحياة... ولكنه في المقابل هل فكر أحد منا أن يبحث عن نقطة البداية؟ من أين يبدأ هذا التغيير وهذا الإصلاح؟ وأين هي بداية سبيل التجديد؟
نعم، ما أسهل الكلمة وما أروعها، وما أنعمها على الأمل الذي تبعثه في النفوس، وفي نفس السياق ما أصعبها.
لا أظن أن نقطة البداية تكون من المنتصف، أو بحرق المراحل أو بأن نبدأ من النهاية قبل البداية. كما أنه لم تكن النفس يوما خارجة عن إطار الحياة والمجتمع، فالنفس يعود خيرها على الفرد، ثم على البيت، ثم على الحي، على المدينة، على الدولة..المنطلق هو النفس، وحين تفوح بالخير تشمل محيطها. والبشر كلهم نفوس تجمع بين الخير والشر، فلنتصور لو غلب جانب الخير على جانب الشر فينا، كيف ستكون النتيجة، أو تصور العكس، فبضدها تتضح الأشياء.
التغير ومن ينشده يبدأ بإقامة العدل مع أنفسنا أولا، وتغيير سلوكيتنا ثانيا. ليس منطقيا أن نتصور بأذهاننا نماذجا من المجتمعات ونحن لم نعمل أن نكون نموذجا يستحق ذلك المجتمع، أن نحاول محاكاة قوالب متقدمة ونحن نفتقد العدل مع أنفسنا أولا.
السلوك الفردي داخل المجتمع يعطي صورة واضحة بجدية نشدان التغيير، فلم يكن الفقر والظلم، وغيره... مثلا مبررا من المبررات في عدم نهج سلوك قويم يحافظ على المجتمع، ويعود بالنفع عليه. حين تجد من لم يتعلم بعد رمي القمامة في مكانها المخصص، وحين تجد من يهتم فقط بنظافة بيته وبابه داره، وحين تجد من يعطي الرشوة وهو يتباهى بذلك، وحين وحين.. تجد من يخرب الملك العام، ويسرق المؤسسات بدعوى أن الكل في "هاذ البلاد شفار" حين تجد من يسوق سيارته ولا يحترم قانون السير إلا بحضرة شرطي المرور؛ وقس عل ذلك.. وبعد هذا تجده ينادي بالتغيير، فعن أي تغيير يتحدث من كان مخربا ولم يحاول قط أن يغير سلوكه كإنسان يعلم أن أي عمل بسيط مهما تضائل فهو مع التكرار ومع شيوع بلواه يصير كارثة. وقد صار من تكلمه عن تحسين سلوكه يجيب: "شفتيني غير انا؟"، هل صار المخطؤون في عصرنا قدوة يقتدى بها؟ آلا يكفي أن أكون أنا إنسانا صالحا بسلوكي؟..
نعم، "شفتك غير أنت" لأنك تمثل واحدا من المجتمع، وأنا وأنت وهو وهي وهم وهن.. الكل واحد في النهاية مادام المجتمع يضم الجميع، فلو كل واحد زج بقاذوراته، فلن تجد لك مكان يا صاح، ولو أن كل واحد أطلق العنان لشره لصار المجتمع غابة، لا تميز فيها الانسان من غيره.
من هنا نبدأ التغيير من أنفسنا من ذواتنا ومن سلوكياتنا، فحين خاطبنا القرآن قال: (يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا..) البداية بالنفس أولا؛ ومن لم يصلح اعوجاجه فلن يؤثر على واقعه، و لن ينجح تغيير مهما رفعنا أصواتنا إن لم نقم أسسه على أنقاض الأنانية والإهمال، ثم لا فائدة من تغيير لا يأتي بالصلاحين: صلاح الفرد ومن يتولى أمره، لأن الأول هو من يصنع الثاني، وليس العكس.
إرسال تعليق
لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.