أعود هنا لأتحدث عن سلوكيات وأفكار انتشرت خلال العقدين الأخيرين في أوساط الناس وخاصة في منطقة الغرب من المغرب حيث أعيش.
كثير من الناس عندما يُقبلون على أداء فريضة الحج يجهلون أركانه وواجباته، وشروطه ومقاصد الشرع من هذا الركن الخامس الذي بني عليه الإسلام.
وطبعا أتحدث هنا عن الأوساط التي يقل فيها الوعي الديني ويغلب عليها طابع الأمية بحكم أن أغلب من يذهبون للحج من كبار السن ما بين الخمسين والستين أو أكثر، والقليل منهم من تلقى تعليمه في الصغر طبعا هذا خاص بالمنطقة التي أعيش بها فلست أعمم على جميع مناطق المغرب ولا على صعيد الدول الإسلامية الأخرى.
كثيرا ما أتساءل لماذا يتخذ البعض من شعائر الدين مظهرا من مظاهر التباهي، وحب الظهور... إنه حقا باب من الأبواب التي تدخل إلى الرياء مباشرة.وقد اتفق مع بعض من يقولون أن هؤلاء المتباهين ذهبوا للحج لتغيير الاسم فقط ، فبدل أن يسمى فلان ابن فلان يصبح الحاج فلان، فيصير الاسم منمقا ومزينا بهذا اللقب الذي لم يسبق في تاريخ المسلمين أن لقب به أحد، حتى جاء هذا العصر الحديث. ولم نعرف في تاريخ الصحابة أن لقب أحدهم بهذا اللقب أو أحد من العلماء من السلف الصالح.
كما أجد سلوكيات مبالغ فيها كثيرا، فحين يعود الحاج يستقبله أهله وذويه باحتفال كأنهم يزفونه ، طبعا لا عيب في أن يفرحوا بعودته ولكن في إطارٍ لا يخرج المرء فيه من دائرة الإخلاص. إن هذه المظاهر، وهذه السلوكيات التي امتزجت بالمجتمع، ساهمت في إستهانة البعض من قيمة هذه الفريضة خاصة أولائك الذين يجهلون مقاصد الشرع من الحج، فمن خلال تجربتي وجدت أن هناك من ينتقد بعض الحجاج لذهابهم لأداء الفريضة بقوله "الحج هنا" والمقصود أن فعل الخير في بلده والطهر والعفة والاستقامة هي أولى من حجه، وهذا نقص في الفهم وتجاهل لفرائض الإسلام، لأن الحج يصبح واجبا عندما تتوفر الاستطاعة، حينها لا يمكن إلغاء فرض من الفرائض بفعل الخير والعمل الصالح كيفما كان، وهذا معلوم في كل المذاهب الفقهية، وكما جاء في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه مسلم في حق صلاة الفريضة: (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة).
لكني أتفق معهم من وجه أخر بحيث من يكرر الحج مرات كثيرة تزيد على الواحدة، يعد إفراطا ومبالغة، فليست المبالغة تختص فقط بالعادات فحتى العبادة لا يستحب المبالغة فيها على حساب أولويات أخرى يحتاجها المسلم لتحقيق معنى التقوى أو يحتاجها المجتمع المسلم منه. ولأن حجة واحدة في العمر هي المفروضة وما بعد ذلك هو تطوع، فقد يتفق معي الكثيرون أن هذا التطوع يمكن أن يكون في مجالات أخرى يعود على الآخرين بالنفع أكثر من أن ينتفع به شخص واحد، فمثلا يمكن لمن أنعم الله عليه بالمال والغنى ويحج كل سنة أو سنتين أن يعيل عائلة فقيرة أو أيتاما أو أن يساعد أحد المرضى المقبلين على عملية باهظة الثمن وتتوقف حياته عليها، أو أن يعين أحد طلبة العلم المحتاجين حتى يكمل دراسته، أو يعين بماله أهل غزة الذين هم في حصار دائم... هناك أوجه الخير كثيرة فقط قليل من البحث والتحري هو المطلوب، وأن يكون العمل خالصا لوجه الله تعالى. هذا من أراد الإخلاص في العمل لا من أراد أن يترقى برتب عدد الحجات التي حجها، لكي يسمى الحاج الحاج فلان كأنه يضع على صدره التشريفات والأوسمة.
في الختام أسأل الله تعالى أن يرزقنا حجة مبرورة، خالية من كل الشوائب، وأن يتقبل ممن أخلص لله نيته وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين.
إرسال تعليق
لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.