18 رحلة جبلية (2)

   واصلت السير بصبر وعزيمة، أتخيل مع كل خطوة أخطوها منظر الشلال الذي تاقت نفسي لرؤيته. قابلت في الطريق أحد الباعة ؛ بعد حوار دار بيننا عرفت منه أنه دليل جبلي، يمارس مهنته في الصيف عندما تكثر وفود السائحين؛ أخبرني أني سوف اقطع مسافة 10 كيلومترات وبعدها سأجد ضريحا بقربه الشلال الذي جئت من أجله. تابعت السير إلى أن لمحت من بعيد علما أخضر وبعض البنايات المتواضعة... فقلت الحمد لله ها قد اقتربت. وجدت بعض الماء يجري بين الصخور فتأكدت حينها أنه اثر لوجود الشلال، تابعت السير إلى أن بلغت عين المكان فاتضح لي أنها محلات تجارية متواضعة جدا، وأغلبها يمارس نشاط البيع في الصيف حين يزدحم المكان بالناس وبالذاهبين إلى جبل توبقال، باعتبار أن المكان محطة استراحة.


اشتريت قنينة ماء من صاحب أحد المحلات وسألته عن الأكل... وعن تلك الطواجين بلحم الماعز التي أخبروني بها قبل مجيئي إلى هنا... قال أن هذه فترة عيد الأضحى، وأغلب من يمارس هذا النشاط أخذ عطلة العيد؛ فطلبت منه أن يعد لي إبريقا من الشاي "أتاي" ريثما أعود إليه، حيث فكرت أن ألقي نظرة على الأرجاء، ما دمت صرت قاب قوسين أو أدنى من هذا الضريح الذي كنت أسمع عنه طوال رحلتي إلى هنا، والذي يسمى ب "شمهروش"، طبعا الاسم ليس غريبا عني لأني أعرف أنه من أسماء الجن أو كما يقال! تشجعت كي ألقي نظرة استكشافية حوله. وجدته بني بشكل غريب جدا فهو عبارة عن صخرة ضخمة مطلية بطلاء أبيض، وبجانبها مسجد صغير له صومعة متواضعة، وفوقهما ثلاثة أعلام اختلط الأخضر فيها بالأبيض... سلكت الطريق المؤدية إلى ذلك المسجد، ضحكت حين رأيت لوحة مستطيلة مكتوب عليها "خاص بالمسلمين"؛ لم أرغب الدخول... حُمت حول المكان علني أجد الشلال الذي جئت من أجله، ابتعدت قليلا من الضريح وبينما أنا كذلك إذ اكتشفت أشياءا ما كانت تخطر على بالي، وجدت مساحة موطئة خصصت للذبح، لم أنتبه لها عندما صعدت إليها، فإذا بي أجد بقايا دم الذبائح تحت قدماي فنزلت بسرعة، ولما التفت إذا ببقايا الشموع على الصخر أخذت  شكلا مقرفا. حاولت أن أصعدت قليلا إلى أعلى، إذا بي أرى منحدرا في سفحه أكوم من ريش الدجاج وأرجلها وبقايا الذبائح الأخرى؛ اشمأزت نفسي من المشهد، وعدت أدراجي إلى الرجل الذي تركته يعد لي الشاي. طلبت منه بعض الماء الساخن كي أتوضأ لصلاة الظهر؛ ثم حاولت أن أفتح معه حوار حول هذا الضريح وما حقيقة هذا الشيء الغريب؟

كان يبدو أني لو تبعت أثر هذا الماء كنت سأجد الشلال.

كنت أنتظر منه أن يكون مقتنعا بما يقوم به هؤلاء الجهال، ولكن يبدو أن أكل العيش هو الذي زج به إلى هنا وليس هو  فقط بل هناك العديد من الشباب أمثاله. أكد لي أن هذا الشيء ما هو إلا صخرة وتحتها مغارة يدّعون أنها مكان لأحد الجان يدعى"شمهروش" يعالج العقم وأمراض أخرى...  وأن هذه الصخرة تعتبر محجا للكثير من الناس ومن مختلف الطبقات فقراء وأثرياء، وحتى من خارج أرض الوطن، وأن ما يحدث هنا من منكر ممزوج بالخرافة والدجل يتحسر له كل مسلم ذو عقل وفطرة سليمة، وأن أغلب الوافدين من النساء.
 سألته عن الشيخ الذي يلبس الأخضر والمسجد المبني هناك، وهل يصلي فيه أحد؟ قال: يصلي فيه من يؤمن بهذا الهراء... أما الشيخ فهو محتال دجال..
- وهل يقام احتفال سنوي هنا أو ما يسمى بالمولد؟
- كان يقام هنا موسم كل سنة، وبعد ذلك منعوه للمشاكل الكبيرة التي كانت تقع.
ربما كل ما رأيت وسمعت جعل رغبتي في البحث عن الشلال تضعف، وقد سألت الرجل عن مكان هذا الشلال، فأجابني أنه لا وجود له هنا، وأن هذا المكان مخصص لهذه الخرافة فقط وهذا ما ترى.
بعدما صليت الظهر وشربت كأسا من الشاي وأكلت شيئا من الخبز رغم أن أجواء المكان لم تساعدني على ابتلاع تلك اللقيمات، ولكن أرغمت نفسي لأنه مازال أمامي طريق طويل للعودة؛ دفعت للرجل ثمن الخدمة وشكرته، وعدت في نفس الطريق الذي جئت منه ولكن بتفكير أخر وهم مختلف.

يظهر في الصورة المكان الذي يمارس فيه الذبح 

ربما أني لم أستمتع بمنظر الماء ولم أجد ما كنت أطلبه في أعالي الجبال، إلا أني اكتشفت أشياء وأشياء وأماكن تجسد جهل الإنسان في عصر التكنولوجيا والعولمة...
مررت بالدليل الجبلي الذي دلني على مكان الشلال فقلت  له أني لم أجد إلا الخرافة... قال لي كان عليك أن تتجاوز مكان الخرافة وتسير في اتجاه أخر، وستجد مطلبك... أما الذي أخبرك عن عدم وجود الشلال فهو ليس من أبناء المنطقة فلا علم له به..
على العموم يكفني ما رأيت وما سمعت؛ فقد قطعت 10 كيلومترات باحتا عن المتعة فاتضح لي أني قطعتها لأجد الدجل والخرافة؛ استغربت للكثيرين الذين يقطعون نفس المسافة أو أكثر ليحجوا إلى صخرتهم المقدسة، ليطلبوا من الوهم الذي يسكنها ما ينقصهم في معاشهم، رغم أن الذي يعطي لم يأمرنا  بأكثر من سجدة أو بسط الكفين بدعائه فيستجيب بلا واسطة ولا قربان، ولكنهم تركوا دعاء الله ويدعون الذين من دونه فزادهم الله ضلالا.
عافاني وإياكم الله.




هذه الصور للصخرة و المسجد


أنا اعلم أن هذه الظواهر وأمثالها لا تقتصر على مجتمع معين ولا شعب بذاته، ففي كل بلادنا العربية نجد مثل هذا الوهم ومثل هذه الخرافة التي سيطرت على العقول.
أبو حسام الدين


18 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.

 
Free Web Hosting