لا جَرمَ أنّ السّابقين ورّثوا إرثا عربيّاً، (فكراً وأدباً وديناَ...)، استطاعوا أن يُحافظوا به على لُغة الضاد، وأن ينقلوها إلى الأجيال المتتالية على مر القرون، إلى يومنا هذا بشكل متواثر. ذلك لأن بقاء لغة أمة من الأمم مقرون بما تُنتجُه وما تخلّفُه في الميادين المختلفة، وكذلك ما أبدعته من علوم وآداب وثقافة... السؤال هو: هل ستستطيع الأجيال الحالية أن تخلّف إرثا يحافظ على اللغة العربية كما حافظ عليها الأولون، - ويكون هذا الإرث – مرجعا للأجيال، والقرون القادمة؟ أم أن القادم أسوأ؟...
انتشرت اللغة العربية في أنحاء العالم بفضل الإسلام الذي أعطاها دفعةً قوية لا أن تكون فقط لغة العبادة والشعائر، بل حتى لغة الاختراع والتقدم، بما لها من قابلية على الاحتواء والعطاء معا، (فهي ليست لغةً عاجزة أبداً)... ولها قدرة أن تُنافسَ لغاتٍ عالمية -أخرى- كانت في زمن تعيش على هامش التاريخ، ولم يَكنْ لها ظهور... والدفعة القويّة التي منحها الإسلام للغة الضاد، تكمنُ في كونها حملت شيئا جديدا لكل الأمم... حملت لهم ديناً جدداً وتعاليما جديدة توافق الفطرة السّليمة، وعلما وأخلاقا وأدبا وفكرا... وتحُث – هذه التعاليم- على أنَّ الإنسانَ لم يولدْ ليُستعبدْ. وبانتشار الإسلام انتشرت معه اللغة العربية لا لأن العرب فرضوها بالقوة والسيف، بل لأنهم أبدعوا في مجال الحياة بما حثهُم عليه الإسلام، واستفادوا مما عند الأمم الأخرى التي سبقتهم في ركب التقدم والتطور، وأحسنوا الاستيراد، (ولعلنا إن عدنا إلى سياسة عمر بن الخطاب كمثال ، نجد ذلك في منجزاته، فندرك الأمر جيدا)، فكانت اللغة المتقدمة هي لغة المبدعين لا لغة المنتصرين، فاللغة لا تُفرضُ بالسيف، بل بالابتكار والابتداع في الحياة... أنِرْ بها المصابيح، تتبعك الأمم، وإنْتجْ بها علوماً وصدّرها بلغتِكَ.
وقد لا يختلف معي أحد على أنَّ أغلبَ شعوب الأرض عرّبَهُم الإسلامُ، ذلك لأنَّ فترةَ ظهور الإسلام وإبّان الفتوحات... لم تكنْ هناك إلا أديان فاسدة، قاهرة، لا تحمل جديدا للإنسانية، بخلاف دين التوحيد الذي حمل لواء التقدم والابتداع في مجالات الحياة وعلومها، فكان مبدأً، وشيئاً جديدا، أحسن الأولون استيعابه وتناولهُ، (فكراً وعملاً...)، فأبدعوا واستفادوا وأفادوا... ويوم تخلف العرب وصاروا إلى الجمود والتقليد والتبعية، ورضوا أن يكونوا مع (الخوَالف) تقدمت لغات أخرى شقت أمَمها طريقَ الإبداعِ والتجديدِ والابتكار...
هنا نقول أنَّ تأثيرَ لغةٍ معينة على العالمِ لا يكونُ بقوة المنتصرِ، بل بالإبداعِ، والتجديد، والابتكار، وهو سر تقدمِها وخلودها.
إرسال تعليق
لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.