2 شاط الخير على موازين


صدقَ الأوّلون إذ قالوا "شاطْ الخير على زْعير* حتى فرقوه بالبنْدير"، ولو نظرنا إلى عمق هذا المثل الشعبي الخاص بمنطقة زعير، لوجدنا أن هذه القبيلة في محطاتها التاريخية، كانت مضرب المثل في السّخاء والكرم، واكتسبت هذه السّمة حين أتت على بعض قبائل المغرب المجاورة لها سنة من الضّيق، فأوشكت على الهلاك، فلجأت إلى هذه القبيلة لتمدّها بالحاجيات الضرورية، لما تتميز به من أراضي خصبة وواسعة، وكما أن زعير في ذلك العام حصدت الخير الكثير، فغنمت إلى درجة أنها حصلت اكتفاء ذاتيا، وزادت عليه. فكانت توزّع المعونات على القبائل التي توافدت عليها، بإقامة احتفالات شعبية تُضرب فيها الدفوف (البندير)، كمظهر من مظاهر السعادة والفرح، والكرم... إلى أن ارتبط الحدث بقبيلة زعير فصار مثلا يُضرب، كناية عن السخاء والفضل، والكرم، خاصة وأن الخير توفر لديها حتى صارت توزعه بضرب الدفوف كناية عن تلك الحفلات التي كانت تقيمها، ولا بأس أن أسوق المثل الآخر المعروف -كتعليق على هذه الحادثة- والذي يقول: "من كتشبع الكرش كتقول للراس غني).*

وإن كان المثل السابق قد فُهم عند المتأخرين بخلاف مقصده، فوجدنا أن من الناس من يسوقه في مقام القدح، حين يصادفون شخصا بخيلا لا يُرتجى كرمُه، فيقولون شاط الخير على زعير... المهم هذه الإضافة فقط للتوضيح، فليس هذا هو قصدي من إدراج المثل، بل الغاية منه أنني أعتقد أن هذا ما صار يحدث الآن في الآونة الأخيرة، وبالتحديد في السنوات الأخيرة التي بدأ المغرب ينظم فيها مهرجانه السنوي، مهرجان مغرب الثقافات، موازين. فهل (شاط الخير) على هذا الأخير ليوزعه بالبندير (الدّف)؟
هل المغرب يرفل في النعيم إلى غاية أنه يوزعه بإيقاعات العالم؟ قياسا على قبيلة زعير قديما، مع أن المهرجان حديثا يقام على أرض من أراضي زعير...
المغرب في عمق أزماته غارق في الخير إلى أنه صار يوزعه بمبالغ خيالية على فنانين العالم. ونعم السخاء يا أهل الكرم والجود، ونعم السخاء. فارقصوا على غير شِبعٍ.


رشيد أمديون
* زعير: قبيلة مغربية كبيرة، وهي الان تضم منطقة الرباط وسلا والخميسات وبعض المدن الآخر المجاورة لها..
* عندما تشبع البطن تقول للرأس غنِ

الإدراج الأخير على همسات الروح والخاطر: سقطت نجمة في الليل

2 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.

 
Free Web Hosting