هو يرى أن فريضة الحج يجب أن تؤدى من المال الحلال الخالي من كل شبهة، وأن يتوب المسلم من كل ذنوبه التي اقترفها ويسوي علاقته بالآخرين قبل ذهابه للحج.
المهم كل هذه الأمور جميلة نتفق معه فيها بنية صادقة. لكنه يرى أن رجوعه من أداء الفريضة يجب أن يتبعه انعزال عن ممارسة عمله وتجارته، بحيث يصبح متفرغا فقط للعبادة والمسجد...لأن التجارة قد توقعه في بعض الأخطاء والذنوب. يقول أنه ليس مستعدا الآن لأداء الفريضة، وعندما سأله صاحبه بقوله: ألا تملك الاستطاعة؟
أجاب أن الاستطاعة لا تكمن في المال والصحة فقط بل يجب أن يتجرد الحاج بعد رجوعه من كل سلوكياته السيئة التي كان معتادا عليها.
وعندما قال له أفلا تتعامل بصدق في تجارتك حاليا؟
أجاب: بلى...واستدرك موضحا وموجها كلامه لصاحبه الذي يحاوره:
أنت حججت بيت الله ألم يسبق لك أن كذبت بعد رجوعك من الحج إلى الآن؟ ألم يسبق لك أن طلب بمنك أحدهم قرضا ماليا، وأنت تعرف أن هذا الأخير لن يرجع لك مالك؟ وقلت له لا أملك هذا المال الآن.
طبعا الحوار اشتد ساعتها ولكن في سياق هادئ، ولهذا تدخلت بقولي أن الاعتقاد بأن رجوع المسلم من الحج لن يتبعه أخطاء أو زلات هو اعتقاد لا سند له، وإن اعتبرنا ما تفضلت به صحيحا، فلن تصير ساعتها بشرا بل ملاكا، فهل حجك يخرجك من بشريتك إلى أن ترتقي ملاكا؟
قال أن الحج هو غسل للذنوب وتكفير للخطايا. قلت له هذا صحيح، وأتفق معك، ولكن هل باب التوبة يُغلق بعد أداء الفريضة ؟ وهل التوبة لن تبقى بعد ذلك؟
قال لا، التوبة باقية، وبابها مفتوح.
قلت له إذن التوبة هي عمل مستمر ومتجدد سواءً بحجٍ أو بغير حج.
ولا يجب أن نفهم الحج على أنه غسل وتطهير من الذنوب كما تذهب إلى الحمام للاستحمام، بل هو فريضة كالصلاة وغيرها من الأركان الخمسة، وهو وسيلة لتقرب العبد إلى الله تعالى. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله في اليوم سبعين أو مائة مرة، فما بلنا وهذا رسول الله الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
يا سيدي التوبة والاستغفار عمل متجدد لا ينتهي بأداء فريضة الحج، ولأننا بشر فإننا خطاؤن وخير الخطائين التوابون.
قلت هاته الكلمات وبعجل لأني أعرف أنه سيخطف مني زمام الكلام مقاطعا حديثي. وكان قصدي توصيل فكرة مع أني انتظرت من البداية أن لا أكون أنا المعارض له فتركت المجال لصديقه لكي يوضح، ولكنه على ما يبدو لم يكن ليقتنع، أو أنه لا يرد.
الحقيقة أن كثيرا من المسلمين يحملون هذه الفكرة، ويُعقدون أمر الحج بمثل هذا الشرط الذي لم أجد له مبررا إلا أنه تملص من أداء الفريضة مع وجود الإستطاعة.
ثم إن المسلم مطالب بالصدق في الحديث والصدق في المعاملة والمسابقة إلى الخيرات منذ أن يعقل إلى أن تأتيه المنية، فلماذا نجعل هذه الأمور فقط رهينة بحج المسلم؟
إن تعطيل أو تأخير فريضة من الفرائض لا يكون بمبرر ضعيف، لأنه لا يجب أن نبطل الأعمال الصالحة مخافة الوقوع في السيئات، فالأعمال الصالحة هي التي تمحو الخطايا وليس العكس (واتبع السيئة الحسنة تمحها).
يكفي عندما يعود الحاج من أداء الفريضة أن يجتهد في الطاعات والقربات ويجتهد كي يتجنب الذنوب الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وقد يخطئ ويذنب ثم يتوب. أما فكرة أن يصير طاهرا كما ولدته أمه ويبقى كذلك في ما بقي له من حياته فأظنها فكرة غريبة شيئا ما مادامت طبيعتنا بشرية.
إرسال تعليق
لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.