21 السنة الأمازيغية 2961

  لا يضر إن نظرنا في موروثنا الثقافي أن نسلط  الضوء على عادات تبعها الأقدمون بدون انحياز لفكر سياسي أو إيديولوجي؛ هو فقط الفضول المعرفي والثقافي الذي يلعب دور الحافز الدافع لسبر أغوار أشياء عاشها سكان شمال إفريقيا عبر التاريخ ومن ضمنهم سكان المغرب.
السنة الأمازيغية أو السنة الفلاحية عبارة قد يستغرب منها الكثيرون وخاصة من ليس لهم اطلاع كافي على ثقافة المغرب الشعبية، والتي  جعل لها البعض عمقا تاريخيا يرجع إلى ما قبل التاريخ مؤكدا أن التقويم الأمازيغي ليس له ارتباط ديني ولا عقدي؛ فبما أن التقويم الميلادي مرتبط بولادة المسيح والتقويم الهجري بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلابد أن يكون للتقويم الأمازيغي حدث يرتبط به فاختلف في تحديده  بحيث هناك من ذهب إلى أن  له ارتباط بحدث أسطوري، وذهب الآخرون إلى أن الحدث الذي ارتبط به كان سياسيا أو تاريخيا:

الحدث الأسطوري
ذهب أصحاب هذا التيار إلى أن عجوزا تملكها الغرور، وأرجعت صمودها في الشتاء القاسي، و إلى قوتها واستهانت بقوى الطبيعة ولم تشكر السماء، مما جعل يناير يغضب عليها بحكم أنه رمز الخصوبة والزراعة فطلب من "فورار" يعني فبراير أن يقرضه يوما من أيامه حتى يعاقب العجوز على جحودها، فحدثت عاصفة شديدة خربت كل خيرات أراضي تلك العجوز؛ وبهذا تحول ذلك اليوم في الذاكرة الإجتماعية إلى رمز للعقاب الذي قد يصيب كل من سولت له نفسه الاستخفاف بالطبيعة، فاتخذ الأمازيغ هذا اليوم يوم الحيطة والحذر بحيث يتجنبون الخروج فيه للرعي وأعمال الزراعة وغيرها مخافة من قوى الطبيعة، ويحتفلون بالأرض وما يرتبط بها من خيرات.

الحدث السياسي أو التاريخي
يعتبر أصحاب هذا الرأي أن الحدث يرجع إلى واقعة تاريخية هزم فيها الأمازيغ بقيادة زعيمهم شيشنق أو (شيشونغ شيشونغ أو شيشنيق أو شيشونق أو شيشونگ (950 ـ 929 ق.م) الملك الفرعوني رمسيس الثالث، ودارت الحرب في منطقة بني سنوس قرب تلمسان وذلك سنة 950 ق.م، فصار هذا بالنسبة لهم حدثا يحتفلون به كل سنة.

في كتاب "لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الامازيغيين" يقول الأستاذ محمد شفيق:(1)
« لما أوقف الفرعون "راعامسيس" الثالث الهجمات الخارجية التي تعرضت له مصر، في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، لم يتمكن من إيقاف الزحف الأمازيغي (الليبي) إيقافا كاملا. فاستوطنت قبائل "بربرية" وادي النيل، وصارت تمد الجيوش الفرعونية بالجنود. وفي أواخر الألف الثاني قبل الميلاد كان عدد من أولئك "المرتزقة" قد تبوؤوا مناصب عمال في الأقاليم، وكانت الأوضاع السياسية متردية. فلم يوشك القرن الأول من الألف الأول أن ينتهي حتى استولى الزعيم الليبي "شيشونق" (ولعله في الواقع شيشونغ) على العرش المصري ودشن عهد الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، سنة 935 ق.م، واتخذ  "بوباستيس" عاصمة له. وعلى يده عادت الأوضاع في وادي النيل إلى نوع من الاستقرار...»

 على كل حال سواءً كان الارتباط التاريخي يؤازر هذه النظريتين أو يخالفمها، فإن المغاربة على مر القرون كانوا يحتفلون برأس السنة الفلاحية التي لها ارتباط وثيق بالأرض، وكان الاحتفال بطريقة إعداد عديد من المأكولات ومن بينها العصيدة التي تسمى بالأمازيغية "تاكَلا - Taglla" و "أوركيمن - Orkimen"، وقد أدرج المؤرخ والأديب العلامة محمد المختار السوس في مصنفه " المعسول " (2) كلاما جميلا فقال:
« من أنواع الأطعمة الاليغية، نوع يسمى ( أوركيمن) يصنع من حبوب الذرة والقمح والفول والعدس واللفت اليابس مع الأكرعة التي تجمع لذلك من قبل؛ يطبخ الجميع في قدر طبخا جيدا طوال النهار؛ ويتحين صنع هذا الطعام في ليلة أول السنة ويوتر أن أصل جمع الحبوب أثر من أثار نزول نوح من السفينة، فقد طلب ممن ركبوا معه مما تبقى مما تزودوا به، فأتى كل واحد بما عنده فطبخ الجميع طبخا واحدا؛ والإلغيات (3) يطبخنه تيمنا ودرءا للعين والجن، وذلك يعمد بعضهن إلى إراقة بعض مرق هذا المطبوخ على بعض زوايا الدار، وإزاء أسراب المياه من الساحات داخل المنزل وما هي بالعادة الوحيدة التي تصنع ليلة أول السنة؛ فأتذكر أن الناس يحرصون على أن لا يبيت أي واحد خارج منزله مسافرا؛ ويرى بعضهم أن من لم يبت في داره تلك الليلة لا يزال مفارقا لدراه طول السنة.»
طبعا الأستاذ مختار السوسي رحمه الله تحدث عما كان يراه في صغره من تقاليد وعادات كانت طاغية في المجتمع الأمازيغي والتي لها دائما ارتباط تاريخي أو أسطوري، لأن أي مجتمع لا يخلو من الخرافة كما لا يخلو من معتقدات تستمد قوتها دوما من الأسطورة.

يعتبر تاريخ 13 يناير 2011 يوافق فاتح ينير 2961 من السنة الأمازيغية الجديدة وينير كلمة مركبة من يان: الذي هو الأول، وأيور الذي هو الشهر فتصبح العبارة الشهر الأول، كما يسميه البعض كذلك ب"تكورت أوسكاس" أي باب السنة.(4)

طبق من أكلة تاكلا

هوامش:
(1): دار الكلام للنشر والتوزيع/ الصفحة:27-28
(2): المعسول كتاب من عشرين جزء يتناول تراجم علماء سوس، وعادات وتقاليد المدارس العتيقة، خاصة في قرية إليغ.
(3): الإلغيات هن النساء اللواتي ينتسبن لقرية إليغ وهي قرية مغربية في اقليم تيزنيت.
(4): أنظر الموسوعة الحرة ويكيبيديا
أبو حسام الدين



21 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.

 
Free Web Hosting