6 القضية المنسية


التدوينة منشورة على موقع: دارنا بريس

قبل هبوب رياح "الربيع العربي" كان الرأي العربي موجها قِبَل القضية الفلسطينية، وخاصة في أحداث غزة الأليمة، وأسطول الحرية وغيرها من الوقائع التي سجلها التاريخ في دفاتره...
وما أن انتفضت الشعوب يوم جعلوا من احتراق البوعزيزي نقطة بداية - مع أخذ بعين الاعتبار تراكمات السنين من الاستبداد- إلا والرأي العربي حوّل الأنظار إلى الحكام والرؤساء، وبدأ الكل ينتقد ويحتج، فربما يساهم في التغيير الذي قد بدت طلائعه، فهي فرصة تاريخية لمن لم يستطيعوا أن يعلنوا علنا سخطهم على الأنظمة.
اشتد الاحتدام وكثر القتل، واختلط الحابل بالنابل، فانتقل الرأي العام العربي ليتابع أحداث تونس، مصر، ومأساة ليبيا، واليمن، ثم سوريا.. تضاربت الآراء بعدها حول شرعية الثورة وخاصة حين نهجت سبيل حمل السلاح ولقيت الدعم من القوى الخارجية، فبدا للكثيرين أن هناك أيادي خفية تريد زعزعة الاستقرار، أو السيطرة غير المباشرة. وأن الغرب يوجد حيثما وجدت المصلحة...
في هكذا وضع نسى الجميع أرضا مسلوبة.
نسينا أن هناك من يشتغل في الهرج ليختلط الأمر علينا، ويمرر مخططاته لصالحه، في غفلة من الانشغال مع رياح الثورات العربية..
غفلنا عن بعض خطوات التطبيع التي تتم وراءنا حين نقوم بتولية وجوهنا قبل الثورات، وبانشغالنا بالأحداث الخارجية والداخلية كإعادة مضامين الدستور، والانتخابات... فمن بين ما نشرته جريدة التجديد بتاريخ 27 دجنبر 2011، في العدد 2797، أن « مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين" نددت ضد أهم الخطوات التطبيعية التي شهدها المغرب في سنة 2011، ومن بينها: "مشاركة صهاينة في منتدى ميدايز الذي نظمه معهد أماديوس بطنجة" و"احتضان جامعة الأخوين بإفران يومي 21 و 22 شتنبر 2011 لندوة حول الهلوكست، بعنوان: "المحرقة واليهود المغاربة. وبدعم من برنامج –كيفونيم- الصهيوني" كما تحدت السكرتارية الوطنية لمجموعة العمل الوطنية المذكورة، عن ارتفاع الواردات الصهيونية إلى المغرب خلال الخمسة أشهر الأولى من هذه السنة -2011-. وكذا ارتفاع نسبة المغاربة الذين زاروا الكيان الصهيوني إلى 900 شخص خلال الخمسة أشهر الأولى من نفس السنة» وغيرها مما ذكرته الجريدة في نفس العدد.
هكذا نسينا أن هناك قضية لطالما رفعنا أصواتنا ونددنا وخرجنا في مظاهرات لنصرتها.
نسينا أن الصهاينة مازالوا صهاينة، فقهنا أم جهلنا، أو تجاهلنا، فبشكل غير مباشر هم يملكون اقتصادا وسياسة تملك العالم.
قد لا نستطيع القول أن كل هذا الحراك الذي شهدته الساحة العربية لم يخرج بنتيجة، أو أنه لم يحقق ايجابيات، لا، بل كان في جانبٍ يمثل تحذيرا للأنظمة أن للشعوب قُدرة على الانتفاض يوما مهما طالت السنين. وأثبت الحكام للتاريخ مدى تمسكهم بالسلطة والكراسي، ولو على حساب أرواح الشعوب ودمار البلاد. لكن في الجانب الآخر فقد ضاعت القضية الفلسطينية في خضم هذا، وضاعت من كثرة التنازلات المبذولة لدرجة تمجيد العدو، ومع ضياع هذا الإنسان العربي كذلك، الضائع في عقر وطنه، المثقل بهموم المطالبة بحقوقه التي من المفترض أنها له، المثقل بأعباء التكليف، المثقل بهم الخبز والبحث عن العيش الكريم، وكأنه يناضل من أجل نيل شبر من جنة وطنه.
فهل المواطن العربي مازلت في قرارة نفسه غيرة على القضية الفلسطينية أم أنها ذابت في سخونة قضاياه المتعلقة بوطنه؟ هل مازال في وجدانه مناصرا لهذه القضية؟
ها هو المغرب مثلا مازال يناضل من أجل استعادة أراضيه المسلوبة: سبة مليلية، الصحراء... فما النتيجة؟
هذا التشرذم من صفات العالم العربي، منذ أن تسلله الاستعمار، فتركه طريح الفراش، كمن أصيب بالجرب يظل يحك ويحك... ولعل في هكذا واقع يصعب في ذهن البعض حتى تصور فكرة التوحد، أو الاتحاد، (مع إمكانية التحقق طبعا)، لأن من علقت الشوكة في ظهره يظل يحاول إزالتها ولا يستطيع، ولهذا فكل الطلائع الحالية قد لا تبشر بنوع من الخير، لأن الآخر أتقن فنون التقسيم والتشرذم وإمساك كل بلد من اليد التي توجعه، ويشد عليها وقت الحاجة إن إحدى الرؤوس ارتفعت احتجاجا على أمر معين، أو يزرع له فتنة قاتلة في باحة داره حتى يكاد لا يهدأ له بال. فيبقى المشهد وكأنه يشبه مسرح الدمى المتحركة بالخيوط (الأرجوزات) لا تؤدي إلا الحركات التي يرغبها من يمسك بأطراف الخيط من خلف الستار.
أبو حسام الدين

6 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.

 
Free Web Hosting