21 حوار ثقافي مع القاص الأربعائي حميد الراتي


 في إطار فكرة النهوض والتعريف بمنطقة الغرب وبنشطائها سواء في العمل الجمعوي أو الأدبي والفني، ما زلت أبحث عن أشخاص لهم بصمة في هذا المجتمع الجزئي الذي هو فرع عن المجتمع الكلي (المغرب)، وبناء عليه قمت باستضافة أحد المبدعين الغرباويين وأحد رواد مجموعة لغة الضاد ونشطائها.. 
ينتمي القاص حميد الراتي إلى "جهة الغرب" وبالتحديد مدينة سوق الأربعاء (الغرب) التي تبعد عن العاصمة الرباط 116 كلومترا، مدينة الناقد المبدع أحمد المجاطي الذي أعطى للأدب المغربي الكثير.
في هذا الحوار معي حميد الراتي أحد حاملي المشعل القصصي بالمنطقة، وأحد المثابرين في هذا الميدان، ونموذج من نماذج العصاميين في مجال الأدب.

أستاذ حميد مرحبا بك.
 بداية نحب أن نتعرف عليك أكثر، فمن هو المبدع حميد الراتي؟
مرحبا، بداية أود أن أشكر صديقي المدون رشيد أمديون على حفاوة استقباله وكرم ضيافته، وعلى ما يبدله دون كلل أو ملل للتعريف بالأقلام الغرباوية التي تزخر بها المنطقة وخاصة في الميدان الأدبي والفني.
أما فيما يخص الجواب عن سؤالك فأقول: حميد الراتي هو من مواليد 1977 بمدينة القاص المغربي صاحب " العربة" الراحل محمد زفزاف، مدينة سوق أربعاء الغرب، تلك الصغيرة القابعة شمال القنيطرة، يحدها غربا شاطئ مولاي بوسلهام الرئة الوحيدة التي تتنفس من خلالها عبق النسيم العليل خلال قيظ الصيف، عازب، لكنه عَقَدَ قِرانه مؤخرا بفتاة جميلة اسمها القصة القصيرة، مُعَطل، لكنه لا وقت لديه للعب الضومينو أو (الكارطا)، مصاب بمحنة القص، يقترف يوميا وبشغف طفولي تسكعه بين ردهات الكتابة.

 كيف كانت البداية مع الفتاة الجميلة التي عقدت بها القران، أو كيف كانت بدايتك مع القصة؟
حقيقة، بدأتْ إرهاصات الكتابة لدي منذ التسعينيات، حيث كنت شغوفا بكتابة الخواطر للرفيقة الخيالية التي كانت صورتها تتلكأ دوما في مخيلتي ولا تظهر إلا لماما كي تغيب من جديد، ثم كانت محاولاتي في كتابة الشعر وخاصة الحر منه، دامت هذه الصداقة لسنوات ومازالت، بعد أن تم لقائي ـ لقاءا شرعياـ برفيقتي المدللة والمعشوقة الأبدية التي أشرعت لي صدرها الرؤوم، ونوّرت لي طريق الحكي وما يختلج الذات من احتراقات وابتسامات، أحبها حدّ الهيجان، وتحبني حدّ الاختناق، فبعدما أتسلل إليها في جنح الظلام عائدا من وعتاء ضجري، على ضوء شمعة خامدة تتلألأ كنجمة مشعة، تستهويني لمطارحتها فن البوح، أجدها جالسة على كرسي مكتبي، متواضعة بكامل أنوثتها، تنتظر إطلالة فارس رغبتها الجامحة.
 نشرتُ العديد من التياعاتي القصصية على صفحات الجرائد الورقية وخاصة جريدة " الصباح" التي فتحت لي مشكورة باب النشر لمدة سنة، والمجلة الفكرية " منار الهدى" ثم العديد من المواقع الالكترونية كموقع الكاتب المغربي عبد الحميد الغرباوي " المحلاج"، وموقع الفوانيس القصصية.. كما حضرت لمجموعة من الملتقيات الوطنية، وخاصة الملتقيات التي تنظمها جمعية " النجم الأحمر" بمشرع بلقصيري الخاصة بالقصة القصيرة.

• مسيرة جميلة، طيب، بما أن بدايتك كانت مع القصيدة، فلماذا طلقتها؟ يعني لماذا اخترت القصة ولم تختر القصيدة؟
لم يكن انتقالي من كتابة الشعر إلى السرد هروبا أو استصغارا لقيمة الكلمة المنمنمة بزخرفة الشعر، أو نكوصا، أو خوفا، فكل أجناس الأدب، وطني وسفني التي أبحر بها مبتعدا عن قسوة حياة مقرفة، مكفكفا دموعي السائبة، لكنني وجدت ذاتي الجزوعة الولوعة تهفو لهذا الجنس الأدبي القصير في مساحته، الكبير في معانيه، والصعب أيضا، فالقصة فن أدبي مراوغ وشديد التعقيد لأنه يحتاج إلى خيال واسع وقدرة خارقة في التصوير، لكنه شديد الجمال في آن واحد.

• ماهي الجوائز التي حصلت عليها؟
أعتبر ما حصلت عليه من تشجيع وتنويه، هو بمثابة تكليف ثقيل ومغري أنوء بحمله العمر كله، أما الجوائز فهي على الشكل التالي:
ـ الجائزة الأولى في مسابقة نادي الجسر للإبداع الأدبي سنة2002 .
ـ الجائزة الأولى في مسابقة جمعية زفزاف للقصة القصيرة سنة 2009.
ـ الرتبة الرابعة في جنس القصة القصيرة حسب المسابقة العربية الكبرى لموقع نص سنة 2010.
ـ الرتبة الأولى في المسابقة الثانية لمنتدى تجمع ناشرون، للقصة القصيرة 2011.
ـ الرتبة الأولى في المسابقة الثالثة لمنتدى تجمع ناشرون، للقصة القصيرة 2011.
ـ الرتبة الأولى في المسابقة الإبداعية لمنتدى همس الوجدان للقصة القصيرة 2011.
ـ الرتبة الثالثة في المسابقة الرابعة لمنتدى تجمع ناشرون للقصة القصيرة 2012.

• هل لك إصدارات قصصية؟
صدرت لي مجموعة قصصية مشتركة مع ثلة من المبدعبن العرب عن "دار شمس بالقاهرة" سنة 2010، خلال المسابقة الكبرى الذي نظمها موقع " نص" المتخصص في القصة والرواية.
ثم عن " دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر" بالرباط صدرت لي هذه السنة (2012)، أضمومة قصصية موسومة ب: تنوء بحلمهم.

 طيب، اعط لنا فكرة عن من هو القاص، وما دوره ككاتب؟
القاص هو كائن إنساني يدب على أرض شبه يباب، يأكل الخبز ويشرب الماء، يتزوج، ينجب، يخطئ، يرفرف بجناحيه عبر بساط السماء كسندباد، يتنقل بين زقاقات وطنه الذي يسع العالم، بخطوات ثابتة، ينظر إلى المشهد بعين ثاقبة ـ وهذا دوره ككاتب ـ، يحلل ويناقش، ثم يطرح فكرة أو حكاية ولا يشترط فيها أن تكون سعيدة، قد تنتهي بعلامة استفهام، أو بتعجب، أو بحزن، أو بابتسامة، وقد تترك للقارئ.

• وما الفرق بين الرواية والقصة؟
لا أسميه فرقا أو تنافرا، بقدر ما أسميه تميزا وجمالا، فالقصة، هاته المخلوقة السحرية الجميلة بلغتها الشفافة الآسرة، هي من النصوص الأدبية التي يسرد فيها الكاتب أحداثا معينة تجري بين شخصين أو عدد من الأشخاص، يستند في قصها على الوصف والتصوير مع التشويق والإثارة حتى يصل بالقارئ إلى نقطة تتأزم فيها الأحداث وتسمى العقدة، فيتطلع القارئ معها إلى الحل المناسب الذي يأتي في النهاية.
 أما الرواية، فهي كذلك، نص أدبي سردي أوسع من القصة في أحداثها وشخصياتها، يمتد فيها الزمن وتتعدد فيها العقد، مضامينها متعددة منها التاريخي والاجتماعي والعاطفي والنفسي والفلسفي. الرواية وأكأنها في نظري أشبه ما تكون بمجموعة من القصص المتفرقة متشابكة في نص واحد، لها حصيلتها المحترمة والدائبة، مستفيدة من التجارب العالمية نقدا ومتابعة، وللمنشورات القصصية محافلها العربية والعالمية كذلك.

 يقال بأن للكُتاب طقوسا، فما هي طقوسك وأنت تكتب؟
لست قارئ فناجين، ولا أنا بساحر، فقط، أحب الصمت الصاخب لحظة الكتابة، أفضل أن أكون وحيدا والسماء تمطر، وفنجان قهوة على مكتبي تفوح منه رائحة الكافيين، كي أنصت بتمعن للحروف وهي تترى في مخيلتي، قليلا ما أرتاد المقهى لأكتب، فالمقاهي بمدينتي بمثابة مكان للغط والضوضاء، ومشاهدة مباراة البارصا و الريال..
 غالبا ما أختار المساء لفعل الكتابة، فالليل ذو شجون، وملاذ المحترقين، ما يهمني في الأخير هو سفري المتوحد عبر الفكرة التي أود تصويرها ومعالجتها بعيدا عن صخب الشارع.

 من أين يمتح القاص حميد الراتي الفكرة... والنواة للشروع في كتابة أي قصة؟
من ذاكرة واقعي وارتباطي الوثيق بما يحيط به من آلام ونزف.
 من المجتمع، من الأسرة، من الشارع، من الحافلة، من السوق، من خلوات أمارسها معي..

هل ترى أن في عصرنا هذا ما يزال هناك من يقرأ الرواية؟ أم أن العصر عصر القصة القصيرة جدا؟
في عصر السرعة الذي نعيشه تحت ضغط الآلة الحديثة وما أفرزته من تداعيات، تراجعت مستويات المطالعة الورقية خلال الآونة الأخيرة، فالنصوص الالكترونية خاصة منها القصيرة أصبحت ـ رغم عدم متابعتها نقدا وتشجيعاـ متداولة بين مجموعة من الكُتاب الشباب عبر المواقع والمدونات، وذلك على حساب المنشورات الروائية على الانترنيت، أما الورقية فحدِّث ولا حرج، حيث أهمل الكتاب الورقي لدرجة النسيان.
لا أخفيك سرا، وأرجوا ألا تبوح بهذا السر لرفيقتي: القصة القصيرة، فقبل أن أكون مبدعا، أنا عاشق للمطالعة بامتياز، بل أطالع بطريقة جنونية لسبب واحد، هو إحساسي بأن الكتاب الورقي يحس بي، يشّم رائحتي، يكلمني بلغتي ومستواي الفكري والنفسي، ينصت لخلجاتي، أقرأ بنهم الرواية منذ سنوات، وخاصة للأسماء المعروفة الحاصلة مؤخرا على جوائز البوكر وجوائز نجيب محفوظ وجائزة الشارقة لليونيسكو..
 أذكر أنني خلال سنة 2010 التهمت أكثر من 50 عنوانا روائيا ورقيا، وفي سنة 2011 أكثر من 40 كتابا..
أما بخصوص شقك الأخير من السؤال، فعلى حد قول الناقد الدكتور نجيب العوفي، خلال حواره مع مجلة "طنجة الأدبية" عدد 28: "الوقت الآن يتحرك لصالح القصة القصيرة أكثر مما يتحرك لصالح الرواية ".

• ما هي معاناة المبدعين الشباب المغاربة؟
هناك معاناة كثيرة تتخبط فيها شلة الشباب المبدع وخاصة ببلادنا المغرب، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- عدم تشجيع وتوجيه المبدعين الشباب نحو أهم المستجدات المتخصصة في هذا المجال.
- افتقاد المبدع إلى المتابعات النقدية التي تهتم فقط بجنس الرواية، واقتصار الأطروحات النقدية فقط على الأسماء المعروفة والتي ضخمها الإعلام، ونفخ فيها بطريقته المِهَنية المُهينة.

• كيف ترى الكتابة القصصية وواقعها في جهة الغرب، وبالتحديد مدينة سوق الأربعاء التي أنت مرتبط بها كمكان سكن؟ 
الكتابة القصصية بجهة الغرب وخاصة بمدينتي سوق أربعاء الغرب، قليلة جدا وخجولة، مع اكتشاف بعض المواهب الشابة مؤخرا من خلال تنظيم مجموعة من المسابقات والتحفيزات، فقط ينقصها التشجيع والتوجيه، وكأنها في مرحلة المراهقة والنضج.

• في كلمة أخيرة ماذا تود أن تقوله لنا؟
شكرا لك أيها المبدع والمدون الطيب على فضل محاورتك وسِعة صدرك، أمل أن أكون قد قدمت لمدونتنا الجميلة " لغة الضاد " من تجربتي القصصية المتواضعة، ونصوصي القصيرة جدا ما تستحق، وما تصبو إليه مستقبلا في خضم التنافس الإلكتروني الشرس والشريف، كما أود أن أدعو كافة المبدعين بالمدونة نفسها، من شعراء، وقصاصة، ومعلقين، ومهتمين.. أن لا يبخلوا على الصفحة بالمزيد من العطاءات الأدبية المتنوعة مع التجديد والتعليق الهادف، وعدم النسخ المبتدل المُخِّل بأبجديات النشر وقانونه، وأن يبادروا بتقديم اقتراحاتهم ووجهات نظرهم فيما يُنشر، وأن نبتعد معا عن المجاملات التي تبعث على الغرور في نفسية المبدع.
وتحية احترام وإبداع للجميع.

 شكرا لك أستاد حميد، وقد سعدت بهذا الحوار الطيب، والمفيد. وتحية تقدير لشخصكم الكريم.
حاوره: رشيد أمديون(أبو حسام الدين)
22/02/2012

21 التعليقات:

إظهار التعليقات

إرسال تعليق

لا بأس أن تخالفني الرأي بأسلوب هادئ، فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ.

 
Free Web Hosting